لم نحذف اسمك يا د.محمد من جدول المواعيد..

الساعة السابعة والربع… هذا موعد حضورك يابهي الطلعة… فتجان قهوتك على ذات الطاولة لقد أحضره جلال في نفس الموعد حيث لم يستوعب للآن رحيلك.. يأتي في آخر الدوام ليجده كما وضعه.. متشبثا بأمل دخولك مع ذات الباب…

كرسيك الدوار باتجاه الباب هو الآخر ينتظر عودتك.. اللاب كوت رغم روائح الموت الكريهة التي عصفت بالمكان بعد رحيلك ظل محتفظا برائحتك… وأنت ما أنت يا محمد لم تحب أبدا أن ينادوك بلقبك الدكتور محمد.. 

أكثر من أربعين عاما وأنت بمهنة الشرف لقد كبرت باكرا عن كل الألقاب…

مرّ أسبوع وأكثر على رحيلك بالفيروس… لم نستوعب أبدا كأصدقاء مهنة غيابك وأنت الذي تحاشيت كثيرا أن تأخذ إجازة مرضية وكأنك كنت تؤجلها لموتك… 

كنت تُقدّمنا في المأمن لنستفيد خبرة وتعلما، أما حينما يترصد الموت في الزوايا كنت تتقدمنا… يا لنبلك…

صديقي وأستاذي وحبيبي محمد الساعة الآن السابعة والنصف لم نحذف اسمك من جدول المواعيد اليومية ونحسب غيابك مؤقتا ونتسابق لنتناوب عنك.. أنت الذي لم تتخلف عن موعد مسبق.. وكنت دائما تردد: الطبيب يحسب وقته بالثواني وكل ثانية يتخلف فيها عن موعده ربما ثمنها رحيل إنسان لا رفاهية في وقت الأطباء…

بالأمس كنت أستذكر مع ممرضتك الرائعة تفاصيلك الصغيرة وحديثك عن هذا الفيروس الذي اجتاح العالم، وكنت تقول: البنادق الآن في يد المتهورين الذين يجوبون الشوارع بلا التزام… 

تدخل المستشفى لتختار الصفوف الأولى.. غرف العناية المركزة، المختبرات، الممرات.. رغم أن بإمكانك أن تحتمي عن الموت عن الفيروس في خندقك.. لكن الخنادق لا تليق دائما بالإنسان الإنسان…

أخبرك أيضا أن المريض الذي التقطت منه الفيروس خرج بعد يومين من إصابتك وتعبك ثم موتك بعد ذلك..

هو الآن في أتم صحة وأظن أن هذا الخبر يفرحك كثيرا ويعنيك.. إذ كلما شُفي إنسان على يدك وما أكثرهم تحولْتَ لزغرودة جميلة في حناجر الأمهات، فرحك بالشفاء فطري بسيط لم تلطخ الاعتيادية ملامحه…

أخذت منه الفيروس وكلاكما رحل هو لبيته وأحبابه، وأنت لبيتك هناك في الأعلى إن شاء الله…

أخبرك أيضا أن المرض لم يتوقف عن حصد الأرواح.. بإمكانك أن تشعر بقرع النعال حولك كل يوم، لأناس يودعون أحبابهم جوار قبرك ويرحلون…

وأخبرك أيضا ياحبيبي أن الشوارع مملوؤة ببعض الأنانيين أولئك الذين جعلوا من أياديهم توابيت لموت من يحبون… 

أما نحن أصدقاؤك الأطباء والممرضين والعاملين في المستشفيات فحديثنا الدائم: كيف نذهب بهذا المجتمع العظيم لبرّ الآمان بلا خسائر…تعبنا من كثرة الوداع يامحمد تعبنا…

أربعون عاما وأكثر في مهنتك وأنت ترمي أطواق النجاة، حتى جاء اليوم الأخير ولم يبق معك إلا طوق نجاتك وحينما استنجد الغريق بك رميت عليه النجاة وغرقت أنت.. سخيٌّ حتى بروحك…

يسألني الآن عامل القهوة – صديقنا جلال- وأنا اكتب لك: ليش ما يجي دكتور محمد

أخبره أنك لن تأتي أبدا..

ينكر ويقول: هذا لا يغيب أبدا.. وصدق أنت لا تغيب وإن غبت..

أحدثك أيضا أن الأسرّة صارت مزدحمة أكثر… الموت صار شكله مألوفا في الممرات وغرف الطوارئ… يأتون بأقدامهم ويخرجون موشحين بالبياض لجوارك…

(القتل المتعمد صار مهنة، ويبرر صاحبها أنه ملّ وتعب من الالتزام.. آثر أن يكون قاتلا متجوّلا يمد يده وأنفاسه على أقرب الناس له… هذه المرة القتلة لا يقتلون أعداءهم بل أحباءهم…) ( صار الموت يأتي من يد الأحباء لا الأعداء…)

أعتذر لك يارفيق الحياة أطلت عليك وأنت المشغول دائما حتى عن اكمال قهوتك التي أراها الآن أمامي…

صديقك….. أوه نسيت الأصدقاء لا يعرّفون بأسمائهم نهاية الرسائل…

بتاريخ
وسوم
شارك
Share on twitter
تويتر
Share on facebook
فيسيوك
Share on telegram
تلغرام
Share on whatsapp
واتساب
التكامل الرائع بين الجهات الحكومية في هذه الأزمة خلفه قائد فذ، يعمل بلا كلل ولا ملل، استطاع خلق فريق متناغم يعمل باحترافية عالية، همه الأول هو المواطن
توفيق الربيعة
وزير الصحة

تابعنا على

المعلومات الواردة في هذا الموقع
موثقة من قبل وزارة الصحة السعودية.
Share on twitter
Share on facebook
Share on whatsapp
Share on telegram

من خلال النقر على أي رابط في هذه الصفحة ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا

نستعمل ملفات Cookies الخاصة بك، لفهم طريقة تصفحك للموقع وكذا تعزيز تجربة الاستخدام بشكل عام